لقاء مع ” باتريس بافيس” في أيام قرطاج المسرحية مفهوم “اللفظ والجسد”: بين الحوار والحركة


روبرتينغ قسم الاعلام بالمهرجان
حل ّ الكاتب والمسرحي الفرنسي باتريس بافيس صاحب الكتاب المرجع في فن المسرح “قاموس المسرح” الذي ترجم إلى عدة لغات، ضيف شرف مبجلا على أيام قرطاج المسرحية.
وفي لقاء معه دام ثلاث ساعات في قاعة “سينما أفريكا” صباح الخميس 27 نوفمبر 2025، شارك الحضور أفكاره حول الاقتباس المسرحي والدراماتورجيا والإبداع المعاصر وتأثير التكنولوجيات الجديدة على المسرح.
وقد جمع هذا اللقاء، الذي أداره الباحث المغربي سعيد كريمي، جمهورا من الفنانين والمثقفين والصحفيين وطلاب معاهد المسرح.
وقد مثّل الاقتباس المسرحي أحد المحاور المركزية التي اهتم بها بافيس ، وقد عرّفه بأنه عملية أكثر تعقيدا من مجرد نقل النص. ووفقا له، فإن الاقتباس المسرحي يستند إلى ثلاثة أبعاد أساسية: الترجمة، والاقتباس بحد ذاته، وإعادة التقديم.
ويشدد على أن هذه العملية لا تعني مجرد الالتزام بالنص الأصلي، بل التفكير النقدي في وجهته الجديدة. يذكر بافيس أن الدراماتورجيا – العمل الركحي الذي يبرز الكتابة المسرحية – تتجاوز الاقتباس لتتمثل في خلق إيقاع وعلامات بصرية وصوتية وجسدية على المسرح قادرة على نقل المعنى. وبالتالي، فإن النص ليس هو الأولوية، ولكنه في صميم مسار يلعب فيها كل ممثل وكل إيماءة دورا حاسما في إنشاء العرض.
مفهوم “اللفظ والجسد”: بين الحوار والحركة
من الرؤى المهمة لباتريس بافيس هي نظريته حول “اللفظ والجسد” أو “اللغة والجسد”، التي تستكشف الترابط بين الكلام (اللفظ) وحركة الجسد. بالنسبة لبافيس، لا يوجد أحدهما بدون الآخر: الكلام يتجسد في الجسد، والجسد يصبح وسيلة للتعبير عن الحوار. يساعد هذا المفهوم الأساسي على فهم كيفية تداخل النص والأداء البدني للممثلين في المسرح المعاصر لخلق معنى كامل، يمكن فهمه عقليا وعاطفيا.
وقد أشاد بافيس بمسرحية “الهاربات” للمخرجة التونسية وفاء الطبوبي، المشاركة في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية. ونوّه بتطور الشخصيات والحضور المتميز للممثلات، اللواتي تمكنّ من تجسيد رسائل المسرحية بشكل مقنع. بالنسبة له، يوضح هذا العرض التونسي بشكل مثالي المبادئ النظرية التي يدافع عنها: إخراج يلتقط جوهر العمل مع تقديم قراءة مسرحية جديدة للنص.
من المواضيع التي عرّج بافيس تأثير التكنولوجيات الجديدة على الممارسة المسرحية. وبعيدا عن اعتبار التكنولوجيا الرقمية أو الذكاء الاصطناعي تهديدا للفنون الحية، أوضح أن هذه الأدوات يمكن أن تثري الإبداع من خلال توفير إمكانيات بصرية وتفاعلية جديدة.
ومع ذلك، شدّد على أن الفنان لا يمكن استبداله أبدا، فإبداعه وقدرته على نقل المعنى وإحياء النص على المسرح تظل أمورا أساسية لا غني عنها. ووفقا لبافيس، يجب أن تستخدم التكنولوجيات لتحسين ظروف عرض المسرحية مع احترام الطبيعة الحية للفن الرابع.
خلال هذا اللقاء، قدم بافيس أيضا كتابيه المرجعيين: “قاموس المسرح” و”قاموس الأداء والمسرح المعاصر”. وقد أصبح هذان القاموسان، اللذان تُرجما إلى عدة لغات، أدوات مرجعية للطلاب والباحثين والفنانين. وهي تجمع بين المفاهيم الأساسية في الدراما والجماليات والسيميائية والأنثروبولوجيا المسرحية، مع تقديم نهج مقارن يعكس تطورات المسرح الحديث.
شكلت محاضرة باتريس بافيس فرصة للتفكير العميق في تطور المسرح. من خلال تحليلاته للاقتباس والدراما والممارسات المعاصرة، أظهر بافيس أنّ المسرح فن حيّ في تغير مستمر. وتمثل مؤلفاته، بالإضافة إلى تأملاته حول الإبداع المسرحي في عالم في تغير مستمر، مفاتيح قيّمة لفهم المسرح اليوم وغدا.







