
صفا نيوز/ كتبت سميرة الخياري كشو
افتتح مهرجان قرطاج الدولي عروض الدورة التاسعة والخمسين ليلة أمس بعرض « من قاع الخابية » للموسيقار محمد القرفي ضمن فكرة للتوغل في الذاكرة الموسيقية التونسية …بعد غيابه سبعة عشر عاما عن الافتتاح .
لكنه بدا في مجمله عرضا باهتا لا يرتقي الى مرتبة افتتاح مهرجان دولي في قيمة وتاريخ مهرجان قرطاج ..
الافتتاح الذي كانت نصف كراسيه الامامية خالية من الحضور ومدارجه محجوزة بعضها لفرق الكشافة ..كان في الواجهة الاخرى الافتراضية مغلقا على مستوى المبيعات الالكترونية بدعوى ان كل تذاكر المقاعد نفذت ومباعة الكترونيا..كما اغلقت شبابيك بيع التذاكر المباشرة باكرا …رغم محاولات البعض اقتناء تذاكر في ذات المساء ..
انطلق العرض بشعار تاريخ يحكى وفن يعاش ..ولكنه لم يكن يحمل فكرة متسلسلة تصلح لمتابعتها على ارض الواقع ..خاصة مع انطلاقة موزيكة البيّ التي حملتنا بالذاكرة الى مسرحية دام الفرح التي رافقتنا اواخر الثمانينات ..فكانت على الأقل مسلسلا مسرحيا غنائيا واضح الملامح ..متسلسلا في أفكاره..مرسخّا لاصالة ما تزال ترافقنا الى اليوم …فان كانت مسرحية دام الفرح رافقتنا الى سجّل افراح التونسيين ضمن تسلسلها الزمني .. فان عرض من قاع الخابية قطع بنا الخيط ليلقي بنا مباشرة الى لوحة فنيّة راقصة تلتها وصلة لاغنية صليحة ..ومنها الى لوحات فنية وان بدت جميلة ..لكن تجاوزتها التقنيات الحديثة في عالم الهولوغرام ..
محمد القرفي الذي كان غاضبا في الندوة الصحفية لمهرجان قرطاج التي انعقدت قبل اسابيع محتجا على كاشيهات بعض الفنانين الاجانب وغير راض على ادارة المهرجان وعلى وزارة الثقافة متهما اياها بالبيروقراطية…وباضطراره لجلبه موسيقيين من الخارج لتأثيث عرضه ..
بدا غاضبا أيضا بعد العرض معتبرا ان عدم قبول ادارة الفنانين التشكيليين بعرض صور واعمال فنانين تشكيليين ضمن الصورالمرافقة للعرض في الشاشات الكبرى لمنصة قرطاج أمرا مخزيا أفقد العرض مميزات ما خطط له ..
القرفي الغاضب قبل العرض وبعده من عدم الموافقة على عرض لوحات الفنانين التشكيليين هو نفسه القرفي الاستاذ الدكتور والموسيقار ..الذي رفض قبول بث عرض الافتتاح في التلفزة التونسية … ناسيا أن حقوق الملكية الفكرية ذاتها لو قدناها فانها تنطبق على حقوق بث كما تنطبق على حقوق نشر لوحات فنيّة …فلكل إرثه وحقوق ..
لا احد يمكنه مناقشة قيمة الاصوات التونسية ولا جمالية الموسيقى التونسية ولا حتى فكرة التأريخ لشخصيات ساهمت في الحفاظ على الموروث التونسي الاصيل الا انه في المقابل كان لا بد من منح الفرصة لكل في اختصاصه ..ان تتولد لديك الفكرة الجميلة ليس بالضرورة ان تكون انت منفذها .. فكرة من قاع الخايبة كانت تحتاج الى سيناريست متشبع بالموروث التونسي ومخرج ركح متشبع بالروح العصرية والتقليدية في ان واحد ..لينتج عرضا صالحا يأرخ على الاقل لشخصية موسيقية في قيمة محمد القرفي ..
في عصر السوشيل الميديا والتأريخ الرقمي والسمعي البصري والهولوغرام والابعاد الخمسة
كان يمكن ان يكون للعرض قيمة فنيّة تتجاوز مجرد فرقة اركسترا نصف عازفيها قادمون من الخارج ..تعزف اغاني قديمة باصوات حيّة لاشخاص فارقونا منذ سنوات ..
المراوحة بين الماضي والحاضر لا يمكنها ان تكون مجرد عرض غنائي يصلح لحفل محلي ..تحتل واجهة افتتاح مهرجان دولي في قيمة مهرجان قرطاج وفي خارطة عالم جديد يسعى لمحق تاريخ امم باكملها ..
حتى المساحة التي خصصت للتغني بالكاتب علي الدوعاجي الذي كان حاضرا في كلمات جمال المداني في تقديم العرض وفي قراءة مسرحية ل « الكانزة الكل وأنا نكالي » لم يلقى حضه للفهم من قبل الجمهور فبدا مسقطا غير مترابط ضمن عرض قيل انه يأرخ للماضي البعيد .
عرض من قاع الخابية الذي ذهب في ظن البعض انه قد يكون باكورة انتاج وفكر محمد القرفي فلا هو أرّخ للقرفي كرجل موسيقى قضى حياته بين النوتات والتاريخ ولا هو أرخ لموروث حضاري ..مما انتج عملا مشوها كجنين من نطفتين أشاد الاطباء منذ لقاءهما انهما لن يتجاوزا مرحلة المخاض الاول .