
صفا نيوز/ كتبت سميرة الخياري كشو
صورة العنوان للمصور الصحفي زياد الجزيري
** بين مرحلة ” البيتا ” و”الألفا” ..ودون مقدّمات يدخل بك عرض ” تخيّل روحك تسمع ” إلى واجهة صور متاهة تلاعب الأسود والأبيض لونّي الصفاء والعمق والتحّدي للتنويم المغناطيسي الإيحائي بالصور عبر الممرات.. والى متاهات متكررة ودهاليز..تقتحم عالمك الداخلي دون استئذان …
يغريك ب”غدا يوم القيامة ” رواية محسن نفيسة التي كانت ظلال العرض الأول قبل سنتين …لكنك تجد نفسك في عملية تحويل نفسي دون موعد مسبق أو معلن الى وجهة أخرى تقتحم داخلك….

يلاعبنا بين النوتات والمشاهد والفصول .. إعداد .. إحداث.. إيحاء.. أجواء كنائسية ..بين الساكسوفون والمزمار.. وطقوس موسيقية تسمع من خلال نوتاتها نداءات وإختلاجات ثم آهات وصرخات وأنت لا تعلم هل تلتزم الصمت إحتراما للموت ..أم تنتشي الى عودة غريب ....
سلاح فى مخاوف الليل
هنا إحياء لروح أصوات الأجداد وكأنّما قادمة من غياهب الزمن والتاريخ ..ممزوجة بترانيم مع مشاهد المؤديّن بلباسهم الأسود القاني الأقرب الى الشمّاسة المرتّلين للصلوات والحافظين للألحان .

بين ترانيم هدوء النفس ومسّرة الروح ورقصات أشبه الى مطاردة للأرواح الشريرة وجذب خدمة الملائكة حيث كانت الموسيقى تعتمد على الصوت البشرى … في الوقت الذي كانت فيه موسيقى الهيكل تستعمل كل الآلات الموسيقية.

إنفصال الإثنين بات من الماضي.. وكأنما أعاد ”كريم الثليبي” لقاءهما الى الواجهة من جديد … فيخرج إليك صوت ”محمد علي شبيل” و”ناي البرغوثي” ليقطعا أوصال ارتباكك بترانيم مرفوقة بمشاهد هي أقرب الى ”حارس الشمس” ..يواجهها ”الخفافيش البيض” …
خفّاشان أبيضان يراقصان مشاهد خلفية لجسد هو الآخر يراقص النار في مشهد أقرب الى رقصة الفراشة ..رقصة تجعلك تصاب بدوار حاد في دعوة إفتراضية ..الى أجواء كنائسية جنائزية ..أشبه بكنيسة رومانية تحتفل وسط طقوس غريبة لم تتعود عليها….

تلتقط مشاهد الشاشة أنفاسها بعزف” زياد الزواري ” على الكمنجة ..مع صوت” ناي البرغوثي” وصابر الرضواني وقيتارة ”هادي الفاهم” مع إيقاعات ”حمدي الجمّوسي …تتخلّلها مشاهد صور متسارعة لا تستطيع تبيّنها
إن كانت مجّرد تهيئات فنّية أم هي نطفة داخل رحم حامل للكثيرين من الألم …يجمع شتاتها قائد الأركستر السمفوني التونسي ”محمد بوسلامة”..

صانع الخيام العجيب” الخفاش الابيض”
لا شيء هنا يسمح لك بمغادرة العرض …كل تفصيل وكأنما يدعوك الى الالتزام بمقعدك حتى استكمال جلسة العلاج …أو هي مرحلة إكتمال ”صنع الخيام” إكتمال الخفافيش البيض الذي تحولو من خفّاشين الى ثلاثة خفافيش ..يراقص كل منهم نفسه الى أوراق ”الهيلوكونيا” …فيبني خيامه الداخلية في صمت بحركات بهلوانية معلّقة الى الهواء .
تخترقها أصوات ونوتات..وحركات …ورقصات ومشاهد رقمية في عملية مزج ما كنت تعتقد يوما ما انهم قد يلتقون الى واجهة واحدة.

فلا تدري هنا هل هو تكريم ل”جاكوب ليفي” …مؤسس” السيكودراما ” وأحد قادة علم الإجتماع أم هو تكليل للمواجهة التاريخية بينه وبين ”سيغموند فرويد” ..متخصص نظريات العقل والاوعي …
أم هو هروب ” كريم الثليبي” نفسه من نص ”غدا يوم القيامة” الى كل تلك الإضافات التي جعلت من النّص والرؤيا والحضور والعرض … صراعا آخر ..مرتبطا الى كل تلك الصور التي قدّمها لنا والبوّابات التي فتحها …ليكون ”كريم الثليبي” نفسه أحد صنّاع الخيام ؟
هنا وفي مرحلة ما بعد المشاهد السّت يعيد الدخول بنا الى بوّابة زمنية مجهولة جديدة ..بين أصوت الفرقة العميق ورقصة الخفافيش البيض وهي تنهي مرحلة التفافها الى الخيام في مشهد هو اقرب الى الشرنقة ..

تجد نفسك الى موسيقى تبحر بك الى عالم من الخيال …حيث لا عُنوان يُقرأ ولا تاريخ يُكتب فلا كل تلك النجوم والكواكب تحول دون أن يخترق عقلك الباطني ليسافر الى الصحراء الكبرى ..الى أعماق الأمازيغ والطوارق ..فلا تعلم أين أنت مسافر تحديدا ..
مشاهد لا تراها الى الشاشة الرقمية ..لكنها تراها عبر النواتات وعبر النغبات وعبر الأصوات الأقرب الى أصوات ملائكية ..وكأنما ترافقك الى مثواك الأخير ..
وسط كل هاته الطقوس التي تجولت بك من عالم ”خفاش الهندوراس ”الى ”أعماق إفريقيا الى معابد الكنعانيين …تجد نفسك الى المقطوعة السابعة منبهرا بطريقة القفز بين الأزمنة بين تخيّل فلسفة ”الجسد الراقص” و”الأقنعة” و”الجنين في رحم أمّه ”وبين صورة ذاك القطار القديم المهترء المهجور الى صحراء بلا عنوان قادم من عرض قديم ..

أنت هنا لا تعلم ..سوى أنك دخلت عالما من الوعي والاوعي ..عالم من الميتافيزيقا الموسيقية …ممزوجة بموسيقى عالية النبرة .. هادئة الدمعة …
أنت لا تعلم ان كنت في حضرة عرض موسيقي أوركاستري أم انت مجرد مسافر تنتقل بين أصوات الأجداد وبين ثنايا المدن والأرياف بين المآسي والجينات …أم أنك وسط طقوس جنائزية .. أم انك هنا مجرد جنين يستعد لأن يولد على الفطرة ..حيث لا دين يحكمك ولا قيود تشّدك .
فلإن كان ”غدا يوم القيامة ” العرض الاول في 2022 حوار داخلي مع الذات في مجال علم النفس السريري ..فان عرض ” تخيّل روحك تسمع ” يخرج بحوارك الداخلي الى العلن في جلسة علاج علنية مفتوحة للعموم الى واجهة مكشوفة …
”تخيّل روحك تسمع ” وانت توجه سؤالك الى كريم الثليبي ان كان اراد لنا ألما للولوج الى الاّوعي الا أنه تبجّح بكونه دارس لعلم النفس ولم يكن يسعى لإدارة التنويم المغناطسي….
ونسي كريم أنه بانكاره المتسارع لواجهة عرضه الاولى هو لم يخفي أوراقه فحسب..بل كشفها جميعها الى طاولة الرهانات ….
أبدع ”كريم الثليبي” في رسم لوح فنّية تسمع …وترى …وتخترق أنفاسك .. أبدع الى درجة انه لم يتمكن من كبح ظلال خيوطه الخفيّة التي كانت تداعب عرضه ..

كريم الثليبي ..الذي اختار ”صانع الخيام العجيب” الخفافيش البيضاء لتّزين رقصات عرضه المغري وكانما اختار التخفي داخل خيامه الورقية …لكنه كشف عن نفسه وعن صراعه الداخلي ..وعن كينونته المدفونة الى اعماقه من كونه مبدع ..ليس مبدع في اختيار العرض بل مبدع أيضا في اختيار فريق العمل …
فان كان العرض الأول خدم الرواية رواية ” غدا يوم القيامة ” أو قصّة العجوز التي تسكن رصيف محطة قطار والتي تفقد بصرها ليكون هذا الفقدان مصدر سعادتها حتى تتخلص من رؤية نظرات الآخرين لها..
..فان عرض ” تخيل روحك تسمع” هرب من جلباب محسن بن نفيسة ولد الحلفاوين الى عمق اكثر وجع ..
ليخرج بك الى وحدة مستقلة ..تأخذك الى مقاطع بقية العرض حيث تغادر الالوان الثابتة الى الاحمر القاني والاخضر حيث يلتقي علم فلسطين الى حرية طيور الحمام …
وينتقل عمى العجوز ساكنة رصيف القطار الى عمى الإنسانية جمعاء ..وهي تشاهد دمار “غـــزّة ” .
عرض” تخيّل روحك تسمع” ..لا يمكنك ان تشاهده إلا وجها لوجه أو محمّلا بنظّارت رقمية ثلاثية أو رباعية الأبعاد حتى تعيش اللحظة …