
صفا-نيوز: كتبت سميرة الخياري كشو
يدعونه بالمايسترو ..يحمل من الاسم رياض الفهري ..ومن الصفة أستاذ موسيقى….
أرّخه البعض بالمايسترو نسبة الى مسلسل اجتماعي تناول جزءا من حياة أستاذ موسيقى ..كان يعمل بالمطاعم ..لكن جدت جريمة قتل بالمطعم فأغلق ابوابه وقرر هو أن يكون ذاك الحلم بعيدا عن عازف في مطعم ليلي ويقرر انشاء نادي موسيقي ضمن مركزللأحداث الملقبّ بالاصلاحية ..
او لنقل السجن المخصص لمن لم يبلغوا بعد السن القانونية ..وكان هذا بداية التسعينات ..مع مرحلة اصلاح مراكز الاحداث..
رياض الفهري بتجربة التسعينات التي كنت واكبتها صحفيا حين تعممت فكرة النوادي الموسيقية في كل المراكز ومنها مركز الهداية للفتيات القاصرات الجانحات بمنوبة ..ثم توسعت التجربة لتشمل السجون ..حيث يسمح للمساجين العازفين والغير متهمين في قضايا الشرف بممارسة هواياتهم والعزف .
رياض الفهري لم يكن فقط ذاك الموسيقي الذي كان يعمل في المطاعم ليلا …بل كان ذاك الاستاذ الحامل لمشعل التربية والتكوين ..والحامل للفكرة ..وللمبدأ من انت من تكون ماذا ستقّدم وماذا ستضيف ؟ وأي أثرسيكون لك . وأن مصيرك وحدك من تحددّه .

موسيقي جندي في اختصاصه ..حمل الفكرة ولم تغتاله موجة النشاز العالمي ..ولم ينساق وراء بهرجة المال مقابل تدمير الذوق العام ..فجعل من االموسيقى ذات العالم السحري الذي يسافر بك الى اكثر من مكان ..دون ان تحتاج الى تذكرة عبور …
يداعب النواتات الموسيقية كما تداعب الافعى في عرض فلكلوري الى طريق عام مزدحم بالعابرين …مرفوقا بأركسترا تعددت فيها الالات الموسيقية ..كما تعددت الوجوه والجنسيات . لكنها حملت لغة واحدة هي لغة الموسيقى ..التي وحدّت العالم في معزوفة منفردة..

الاخراج الركحي كان مبدعا للعين ..الاسود الرجالي …والاحمر الأنثوي المغري …فتعجز عن الاختيار هل تبقى متقيض العينين لرؤية الجمال الخارجي ام تكتفي باغماض عينيك ..لتشاهد الموسيقى وهي تنحت خيالك وتغزوه ..بحركات على كل الالات التي حلمت ربما في يوم ما ان تعزف اليها …فلكل الة صوت وكلمات تسمعها وتقرأها سواء كانت ضمن عزف منفرد أوجماعي ..

وحدها الموسيقى قادرة على تغيير العالم
هكذا بدا عرض البساط الاحمر 2 في ثاني يوم عروض للدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي يبقيك في خيار هل كان البساط الاحمر تتويجا للموسيقى ..وللحب والحياة ..أم طريقا للانتصار على النشازواعلان الحريّة .. خاصة مع اختياره لجملة وحدها الموسيقى قادرة على تغيير العالم ..اقتباسا من ملحمة مسلسل المايسترو الذي يكافح فيه جندي مجهول يحمل صفة استاذ موسيقى يحلم بمساعدة جيل جانح ليكون مستقرا عاطفيا ونفسيا …
لا تحتاج وانت تتابع العرض الى معرفة مسبقة باللغات ..فهنا يمكنك ان تفهم التونسية والاسبانية والايطالية و الفلامنكو الإسباني و الجاز الأمريكي إلى الكانتري، مرورا بأنغام المتوسط ضمن حروف تنبث من النواتات وتخترق مسامعك ..فتشعر بوهج الانتصار ..على عقود من الزمن حاول فيها الكثيرون تدمير الذوق العام …
سعى العرض إلى كسر الحواجز بين الأنماط الموسيقية والثقافات فخلقت مساحة مشتركة للاحتفاء بالجماليات الإنسانية على إيقاع الكمان والناي والترومبات والقانون والدرامز وتدخلات تفوق الروعة لعزف الناي للفنان التونسي حسين ميلود …الذي عانق الابداع ..

هكذا أراد المايسترو ان يكون العرض بين عازفين تونسيين شمال افريقيا ..والشرق اليابان في شخص ساياكا كاتسوكي و ومارسيلو بيوندوليلو وبرينان جيلمور الذي استحضر ايطاليا بمسحة من الجاز والبلوز كما يستحضر السحرة ذاك الجان ..في عرض طقوس مهيب تفقد فيه الشعور بالوحدة …
تاريخ يتحكّى، فنّ يتعاش
اختيار الفهري لم يكن فقط مجرد اختيار بل هو تحدي من كون الفّن لا يموت والفنّ لا يغتال مهما حاصروه بنشاز المتملقين ..ولكل نوتة جمهورها .
وأن تكون محاربا يمكنك ان تكون جنديا في اختصاصك ..ويمكن لعلمك ان يكون سلاحك ..تخوض به غمار ساحة المعركة ..
أبدع قرطاح في اختيار اركسترا الفهري.. ليكون نجمة مضيئة في زمن الحرب . ونورا في اخر ذاك النفق لمعركة البساط الأحمر …ينتصر الفّن ..وينتصر الجندي المجهول ..