أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار الملاعب /  عرض ابراهيم معلوف على ركح قرطاج : حين يعانق بوق” معلوف ” تمثال بيتتا”  لأنجيلو بوناروتي

 عرض ابراهيم معلوف على ركح قرطاج : حين يعانق بوق” معلوف ” تمثال بيتتا”  لأنجيلو بوناروتي

صفا نيوز-الإخبارية/ كتبت سميرة الخياري كشو

لا تدافع ..ولا طوابير من الجماهير تحتك الى بعضها البعض في ضخب ..

..امتلأ ركح قرطاج بجمهور اغلبه شبابي، كانه قادم من كوكب ثان ..هادئ جدا ..لا احد يركض لاحتلال كرسي في المقدمة كان الشخص كالجميع الكل يدرك انه قادم للاستماع ..لا يهم متى تصل ولا اين تجلس …فأنت ستستمع الى عالمك الخاص.

من نوعية الجماهير الذي امتلات بها المدارج تدرك أن لهذا الفنان شخصية خاصة ورؤيا خاصة وذوق خاص ُطبع الى القادمين اليه … تراه في كل  شخص منهم مما يزيدك اقتناعا أن لكل نوتة جمهورها ..وأن جمهور مسرح قرطاج ليس جمهورا موحدّا ..بل هو باقة من الجماهير ..المختلفة الأذواق والأذان الموسيقية .. وان الفنّ يُعاش فعلا وتاريخا يُروى ..

هكذا كانت الصورة الاولى  لعرض عازف البوق ابراهيم معلوف …في مهرجان قرطاج في دورته التاسعة والخمسون ..

أيقونة من أيقونات العروض التي ستبقى في البال …شأنها شأن  ”البساط الأحمر 2”   للمايسترو   ‘ رياض الفهري ‘..

مستوى جمالي من الرقّى ..والرفعة ..  ابراهيم معلوف الذي أستمع اليه لأول مرّة مباشرة …في عرض يحملك على أجنحته الإفتراضية  إلى مستوى راق  جدا من الفّن والموزيكا ..والتلاعب بالنوتات  التي تكاد تراها تتراقص خلال نسمات الركح …وتراقص الحجارة والحضارة والتاريخ …

 بمجرد نفخة بداية العرض كانت المدارج مكتظة بالحضور ..كّل الى مكانه …قبل أن تنطلق تلك المعزوفات التي  تتردد اصداؤها وسط ركح قرطاج التاريخي  فيعود بك الزمن الى غير الزمن و الى غير التاريخ ..و لولا بهرجة الاضواء والتقنيات الحديثة للشاشات العملاقة ..لاختطفتك الموسيقى الى ساحة عروض  القرن الثاني ميلادي في حفل استقبال ملك عائد لتوه من غزوة رومانية  أو لطقوس  يوبيل الفاتيكان في مواسم 2025  .

عرض خال من الغناء …مليء بالعزف ..والعزف على الة البوق  يمكنك الاستماع والمشاهدة والتمتع بقّوة حركات الموسيقى وبشطحات النوتات حتى وان كنت تجهل السلّم الموسيقي …

ابراهيم معلوف عازف البوق او سيّد التروميت  تلك الالة السحرية التي بنيت قديما مع بداية تشكّل الانسان والطبيعة ..كانت رمزا لإرسال الإشارات عن بعد وعبر المسافات لتنبئ بوجود أخبار جديدة او لتلفت انتباه الساكنين الى عودة الملك …

هكذا كان ”ابراهيم معلوف”  عازفا ملهما معلنا عودة الروح الى الموسيقى، الى العزف والى الحياة.

 على ركح قرطاج  عزف ابراهيم  ليؤكد  لمن لا يعرف معلوف انه استئناء في عالم طغى عليه النشاز الفكري والموسيقي…عزف ليقول أنه يستحق  نيشان الفنون والاداب لرتبة  فارس ..فبدا كأنه ذاك الجندي الدي ينفخ في البوق معلنا عن نهاية المواجهة ..واعلان النصر.

ابراهيم عازف البوق هو نفسه الابن لنسيم معلوف أشهر عازفي البوق  بلبنان ..وابن عازفة البيانو ندى معلوف وحفيد للصحفي ايمن معلوف…والمتحصل على نيشان الفنون والاداب بباريس برتبة فارس.

عائلة موسيقية ممزوجة بعالم الشعر والصحافة من لبنان عاصمة القراءة والكتابة والابداع والحرب الاهلية …والتاريخ المليء بالنكسات العربية والخذلان والمخيمات ..لبنان التي تختزل مسيرة حياة أمة باكملها ..تقاوم في الصباح وتسشهد في المساء وتحتفل في الليل ..أو لنقل وطن كل المتناقضات ..

اختار ابراهيم لنفسه الخروج الى العالمية وسجّل لنفسه عودة قويّة بالبومه التاسع عشر  الذي يحمل اسم   ”أبواق مايكل أنجلو”  في مغامرة موسيقية كبرى  تمتد على المستوى الفلسفي والتاريخي ..زادها الاطار المكاني  بمسرح قرطاج التاريخي ..قيمة إضافية تحمل الكثير من الرمزية .

فتحول عزفه الى سنفونية منفردة بذاتها يمكنك حين الاستماع اليها ان تلتقطها من ضمن عشرات السنفونيات.. فبات متحكّما في ردود فعل جماهيره التي كانت تدرك جيّدا اي موسيقي هو، فارس يُحاكي التاريخ و يختزل الجغرافيا…

تاريخ يُحكي وفنّ يُعاش

لعب معلوف معزوفته الموسيقية  على كل الأوتار وأرقص كل النوتات ..وراقص التاريخ والجمال  فلم يكن عرض ” مايكل أنجلو”  مجرّد عنوان لالبوم موسيقي بل هي رسالة  تحملك الى فكر” مايكل انجلو” نفسه .

 والى ريشته ولوحاته فتغوص مع موسيقاه  بين لوحة  ”خلق أدم ” وتمثال  ” بيتتا”

 فتعود بك الذاكرة الى الفاتيكان ..والى رؤيا  ”مايكل أنجلو”  لعري الجسد الذي يراه الموضوع الأساسي المجسّد للفن ..

فمن نحت تمثال ”بيتتا” وتمثال” داوود عليه السلام” وتمثال  ”العذراء تنتحب” ..وإحتل أجزاءا من تاريخ الفاتيكان …كان متحدّيا بارزا في زمانه ..متحديا للواقع وللعقل ولسنّه الصغير حين خلّد ابداعاته …هكذا امن  ”مايكل انجلو”  بالتحدي وهو شديد التديّن وكان يعتبر الفنّ  كفاح يتطلب الكثير من التعب والعمل والتضحية والجهد العضلي ..الى درجة جعلته يطور من نفسه من مجرد عامل نحات صغير الى فنان عالمي وعبقري يؤرخه التاريخ وتنحته الجغرافيا..  فنان عالمي خلقه بنفسه وبأنامله .. هكذا  قدّم معلوف نفسه الى جمهور قرطاج في عرض تاريخي ..يحمل عنوان ” قرط /حدث ” للدورة 59  لمهرجان قرطاج الدولي …حين أختار انجيلو عنوانا لعرضه ..

    ألبوم ” توما ” لإبراهيم معلوف   أو القطعة الفنية التي يمكن أن تراها  .. تراها قطعة موسيقية ونوتة مرسومة الى دفاتر الموسيقى  كما يمكنك ان تراها  لوحة فنية  تغطي أسقف  كنيسة ” سيستان”  وانت تتجول في كنائس الفاتيكان ..كم يمكنك أن  تسافر الى لوحات” بوناروتي ” وانت تجلس الى   موسيقى  معلوف على ركح قرطاج الأثري …

بين ”معلوف” و”بوناروتي” روح تعانق الإبداع والتاريخ بين ” فاتيكان روما ” ومسرح ” قرطاج الروماني” ..رؤيا يمكنك ان تقرأها من عدّة  زوايا …فالفنّ ثقافة والثقافة لا تموت يمكنك ان تكون مجرّد نحّات او موسيقي .. كما يمكنك ان تكون عبقري وتدخل التاريخ …ولك الخيار .