أخبار ثقافية

عبد العزيز أوشنوك مخرج مسرحي / المسرح الحقيقي يقول: “إذا حضر الجمهور بوعي، ارتقينا”.

بقلم عبد العزيز أوشنوك / مخرج مسرحي / المغرب


يقال إن المسرح فن الحي والمباشر، وإن نبضه الحقيقي لا يقاس بعدد الأضواء ولا بحجم الديكور، بل بمقدار ما يتركه في المتلقي من أثر. ولعل هذه الحقيقة تكشف لنا سبب المفارقة العجيبة التي نعيشها اليوم: عروض مسرحية لا تلامس الحد الأدنى من شروط الفرجة، ومع ذلك تمتلئ القاعات بالجمهور!

نحن مدعوون باستمرار إلى مشاهدة أعمال تقدم باندفاع كبير، وربما بحسن نية، لكنّها تفتقر إلى العمق الفني، أو إلى الانضباط الجمالي، أو حتى إلى الحد الأدنى من الاشتغال الدرامي. ورغم ذلك، نجد إقبالا واسعا، وتصفيقا حارا، وصورا تنشر عبر مواقع التواصل على أنها نجاح باهر. هنا يطرح المسرحي سؤالا مؤلما: هل معيار الفرجة أصبح مرتبطا بالدعوة أكثر مما هو مرتبط بجودة العرض؟

هذه المفارقة تجعلنا نتأمل في موقع الجمهور داخل العملية المسرحية. فالجمهور ليس مجرد مقاعد ممتلئة، ولا أرقاما تسجل في تقارير الدعم، بل هو شريك أساسي في صناعة المعنى. إنّه مرآة العمل، وطاقته، ومقياس صدقه. وعندما يغيب الوعي المسرحي، أو يختزل الحضور في “دعوة جماعية”، يفقد المسرح أحد أهم أعمدته: الاستقبال النقدي.

ومع ذلك، يظل الجمهور — بوعيه أو بفضوله، بحضوره الواعي أو بدعوته العابرة — الدعامة الحقيقية لأي عمل مسرحي. فالجمهور يمكن أن يدفع بفنان إلى التخلي عن الرداءة، كما يمكنه أن يشجع الرداءة إذا صفق لها. هنا يكمن خطر المرحلة: أن يتحول المسرح إلى حدث اجتماعي بدل أن يبقى فعلا فنيا.

إن مسؤولية الارتقاء بالذوق المسرحي مسؤولية مشتركة: بين الفنان الذي يسعى إلى تطوير أدواته، والمؤسسات التي توفر الدعم، والمدربين والباحثين الذين يساهمون في التكوين، والأهم من كل ذلك: الجمهور نفسه. فالجمهور الواعي لا يكتفي بالحضور، بل يطالب، يقيّم، يحاور، ويمنح للعرض قيمة مضافة.

في النهاية، يبقى المسرح مساحة للحق والخيال، ولا يستقيم دون جمهور يميز بين العابر والراسخ، بين الفرجة التي تقدّم كواجب اجتماعي، والفرجة التي تصنع بحب وإتقان. وإذا كان البعض يقول: “إذا عمّت الدعوة، هانت”, فإنّ المسرح الحقيقي يقول: “إذا حضر الجمهور بوعي، ارتقينا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »